.:: الرسول الأسوة صلى الله عليه وسلم ::.

حُمل الأمر بفرض الصلاة خلال معراجه إلى السماء - الحلقة الثانية

==========================================================

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ)(صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب قول النبي، صلى الله عليه وسلم: بني الإسلام على خمس)
تعرضت الحلقة السابقة لدلالة من دلالات فرض الصلاة في المعراج، وهي عظيم قدرها وأهميتها ومكانتها عند الله، ويستدعي من المكلفين تقدير ذلك، والمحافظة على أدائها على الوجه المشروع، وتدل خلاصة فرضها على النحو الذي اعتمد على الكرم الرباني، وعطاء الله الواسع، فهِيَ خَمْسٌ بحسب الفعل، وخمسون بحسب الثواب، وفي الحديث الصحيح ما يفيد أن النبي، صلى الله عليه وسلم، لما فرض الله عليه وعلى أمته الصلوات الخمس، قَالَ: (يَا رَبِّ إِنَّ أُمَّتِي ضُعَفَاءُ أَجْسَادُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ وَأَسْمَاعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ فَخَفِّفْ عَنَّا، فَقَالَ الجَبَّارُ: يَا مُحَمَّدُ، قَالَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: إِنَّهُ لاَ يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ، كَمَا فَرَضْتُهُ عَلَيْكَ فِي أُمِّ الكِتَابِ، قَالَ: فَكُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، فَهِيَ خَمْسُونَ فِي أُمِّ الكِتَابِ، وَهِيَ خَمْسٌ عَلَيْكَ، فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: كَيْفَ فَعَلْتَ؟ فَقَالَ: خَفَّفَ عَنَّا، أَعْطَانَا بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا)(صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب قوله:{ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا }(النساء:164))
وهذا الكرم الإلهي يتماشى مع تفضله عز وجل، على فاعلي الحسنات من عباده بمضاعفة أجر الحسنة إلى أضعاف مضاعفة، لتبلغ سبعمائة ضعف، مصداقاً لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ...)(صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب فضل الصيام)
ووقفت الحلقة كلك عند قصة الرجل الذي ضْحَك اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ، وفيها ما يدل على أهمية ركن من أركان الصلاة، وهو السجود، إذ فيه إخبار عن أن النار لا تأكل أثر السجود، وفيه كذلك إشعار بفضل الله وواسع كرمه وجوده، إذ تفضل سبحانه على آخِر أَهْلِ النَّارِ دُخُولًا الجَنَّةَ، فنجاه من النار، وانتهى به المطاف أن استجاب لطلبه، وأدخله الجنة، بالتزامن مع ضحكه سبحانه منه، وضاعف له قدر ما طلب من الأماني.
ومن متعلقات فرض الصلاة، ودلائل أهميتها في الإسلام، ما يأتي:
من أركان الإسلام الخمسة
من أهمية الصلاة في الإسلام أنها من أبرز أركانه الخمسة، فهي تلي الشهادتين في الذكر، حسب المبين في حديث ابن عمر، رضي الله عنهما، المثبت نصه أعلاه، ومعلوم أن أركان الإسلام هي دعائمه وقواعده، لا يتم إسلام من جحد بواحدة منها.(شرح صحيح البخاري:3/391) والصَّلَاةَ الَّتِي هِيَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الَّتِي أُطْلِقَتْ فِي بَاقِي الْأَحَادِيثِ، هِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَأَنَّهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ بِهَا.(صحيح مسلم بشرح النووي:1/168)
وقد جاء الأمر بإقامة الصلاة بصيغة: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ) في ثماني آيات قرآنية، في ست منها جاء مقروناً بالأمر بأداء الزكاة، وذلك النحو الآتي: في ثلاث آيات من البقرة، هي:43 و83 و110، وفي الآية 77 من النساء، و56 من النور، و20 من المزمل، وجاء في اثنتين دون هذا الاقتران، وذلك في الآية 87 من سورة يونس، والآية 31 من الروم.
ومن الأدلة على فرض الصلاة وأهميتها في الإسلام، ما رواه ابن عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَلَى اليَمَنِ، قَالَ: (إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ، فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا، فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ).(صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة)
يلزم أداء المفروضة في الأحوال كلها
ومن أهمية الصلاة أن المسلم يكلف بأدائها حتى وهو عاجز عن أداء أركانها مكتملة، فعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: (كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الصَّلاَةِ، فَقَالَ: صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ)(صحيح البخاري، كتاب تقصير الصلاة، باب إذا لم يطق قاعدا صلى على جنب)
ويؤدي المسلم الصلاة وهو يخوض المعارك، فيما يعرف بصلاة الخوف، حسب ما جاء في قوله عز وجل: { وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا}(النساء:102)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي}[طه: 14]).(صحيح البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكر، ولا يعيد إلا تلك الصلاة)
يمحو الله بها الخطايا
من أعظم الدلالات على أهمية الصلاة، أن الله يمحو بها خطايا المصلي وذنوبه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: (أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا، مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ؟ قَالُوا: لاَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا، قَالَ: فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا).(صحيح البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب الصلوات الخمس كفارة)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ).(صحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره)
فالصلاة بالتالي مسبب رئيس لمحو الخطايا ودخول الجنة، كما جاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الجَنَّةَ، قَالَ: (تَعْبُدُ اللَّهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ المَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ. قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا. فَلَمَّا وَلَّى، قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا).(صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة)
أجر الحرص على أدائها والمحافظة عليها والخشوع فيها
أمر الإسلام بالمحافظة على أداء الصلاة المفروضة في أوقاتها المحددة، فقال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}(النساء:103)
وأمر الله بالمحافظة على أداء الصلاة، فقال عز وجل: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}(البقرة:238)
وعن أَبي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ، قال: أَخْبَرَنَا - صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللَّهِ- قَالَ: (سَأَلْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي).(صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب قول الله تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه حسنا} [العنكبوت: 8])
وأثنى سبحانه على الدائمين على صلاتهم، المحافظين عليها، ففي سورة المعارج يقول تعالى: { إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا* إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا* وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا* إِلَّا الْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ*...* وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ* أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ}(المعارج:19-23 و34-35)
وأثنى الله على الخاشعين في صلاتهم، ففي فاتحة سورة "المؤمنون" يقول تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}(المؤمنون:1-2)
وأشاد الله في القرآن الكريم بمقيمي الصلاة، في آيات كثيرة، منها الآية 277 من سورة البقرة، و170 من الأعراف، و(5) و(11) من التوبة، و(22) من الرعد، و(18) و(29) من فاطر، و(38) من الشورى.
ومن أهمية الصلاة على صعيد المثوبة على أدائها، أن الله يضاعف حسنات الذي يتحمل مشقة المشي لأداء الصلاة جماعة في المسجد، فعَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلاَةِ أَبْعَدُهُمْ، فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى، وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِي يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ)(صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب فضل صلاة الفجر في جماعة)
وعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: (كَانَ رَجُلٌ لَا أَعْلَمُ رَجُلًا أَبْعَدَ مِنَ الْمَسْجِدِ مِنْهُ، وَكَانَ لَا تُخْطِئُهُ صَلَاةٌ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: أَوْ قُلْتُ لَهُ: لَوْ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ فِي الظَّلْمَاءِ، وَفِي الرَّمْضَاءِ، قَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَنْزِلِي إِلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ جَمَعَ اللهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ)(صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل كثرة الخطا على المساجد)
وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَتْ دِيَارُنَا نَائِيَةً عَنِ الْمَسْجِدِ، فَأَرَدْنَا أَنْ نَبِيعَ بُيُوتَنَا، فَنَقْتَرِبَ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَنَهَانَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ لَكُمْ بِكُلِّ خَطْوَةٍ دَرَجَةً)(صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل كثرة الخطا على المساجد)
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: خَلَتِ الْبِقَاعُ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، فَأَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُمْ: (إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ، قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ، فَقَالَ: (يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُم)(صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل كثرة الخطا على المساجد)
الاستعانة بالصبر والصلاة
أمر الله المؤمنين بالاستعانة بالصبر والصلاة، في آيتين كريمتين من سورة البقرة، فقال عز وجل: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ}(البقرة:45)، وقال سبحانه:{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}(البقرة:153) يقول السمرقندي: ذكر الله الطاعة الظاهرة، والطاعة الباطنة، فأمر بالصبر والصلاة، لأنه ليس شيء من الطاعة الظاهرة أشد من الصلاة على البدن، لأنه يجتمع فيها أنواع الطاعات: الخضوع والإقبال والسكون والتسبيح والقراءة، فإذا تيسر عليه الصلاة، تيسر عليه ما سوى ذلك. وليس شيء من الطاعات الباطنة أشد من الصبر على البدن، فأمر الله بالصبر والصلاة؛ لأنه حسن.(تفسير السمرقندي ـ- بحر العلوم- 1/105)
الصلاة نور
من مميزات الصلاة عن العبادات الأخرى وصفها بالنور، فعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ - أَوْ تَمْلَأُ- مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا)(صحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء)، وبالنسبة إلى المراد بمعنى (وَالصَّلَاةُ نُورٌ) يقول صاحب مرقاة المفاتيح: أَيْ فِي الْقَبْرِ وَظُلْمَةِ الْقِيَامَةِ، وَقِيلَ: إِنَّهَا تَمْنَعُ مِنَ الْفَحْشَاءِ، وَتَهْدِي إِلَى الصَّوَابِ كَالنُّورِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالنُّورِ الْأَمْرَ الَّذِي يَهْتَدِي بِهِ صَاحِبُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ تَعَالَى: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} [الحديد: 12]، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا سَبَبُ إِشْرَاقِ أَنْوَاعِ الْمعَارِفِ، وَانْشِرَاحِ الْقَلْبِ، وَمُكَاشَفَاتِ الْحَقَائِقِ لِفَرَاغِ الْقَلْبِ فِيهَا، وَقِيلَ: النُّورُ السِّيمَا فِي وَجْهِ الْمُصَلِّي، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(مرقاة المفاتيح شرح مشاة المصابيح:1/342)
تنهى عن الفحشاء والمنكر
ومن آثار الصلاة البارزة أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، مصداقاً لقوله عز وجل: { اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} (العنكبوت:45)، وينسجم مع هذا الأثر النهي الذي أنزله الله في المراحل الأولى لتحريم الخمر، إذ نهى الله عن قرب الصلاة والمصلي سكران، فقال تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ...}(النساء:43)
فهذه وقفة أخرى مع محاور الأمر بفرض الصلاة خلال معراج النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، تم التركيز فيها على أهمية الصلاة وثمراتها وآثارها، والمثوبة عليها، ومنازل المصلين، سائلين الله العلي القدير أن ييسر متابعة الوقوف عند مزيد من محاور الأمر بفرض الصلاة خلال معراج النبي، صلى الله وسلم عليه، وعلى آل بيته الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وأصحابه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
13 شعبان 1445هـ

تاريخ النشر 2024-02-23
 دار الإفتاء الفلسطينية - القدس